حزب لبناني جديد: حزب الثورة
بلا لفّ ودوران، نحن أمام حزب جديد. الحزب الجديد يعلم أنّ بعض الناس يتحسسّون من كلمة حزب، لكن ذلك لا يلغي أنّنا أمام حزب جديد. الحزب الجديد يعلم أنّ موضة الأحزاب تتراجع عالمياً لا محلياً فقط، لكن ذلك لا يلغي أننا أمام حزب جديد. حزب لم ولن تعنيه معركة كالمعركة التي خاضتها الناشطة نعمة بدر الدين ضد التجديد أو التمديد لشركتي الهاتف الخلوي. حزب لم ولن تعنيه انتفاضة الثوار الأنقياء ضد حكم المصرف. حزب لم ولن يعنيه الإرث الثوري الكبير للشيوعيين والواكميين والناصريين والقوميين، فأهداف هؤلاء وتطلّعاتهم وكل أهدافهم تتناقض “للعضم” مع أجندته. الحزب الجديد، جديد قديم.
حزب لا يعنيه أيّ نقاش في الصميم أو حوار جديّ، من أيّ نوع كان. فهو من البداية للنهاية؛ حزب مستعجل، لا يريد أن يسمع صوتاً غير صوته، حتى ولو كان الصوت يثني على كلامه. في قسمهم الحزبيّ، يتعهد الملتزمون في الحزب القديم أن لا يقرؤوا أو يسمعوا أو يفكروا أو يحلّلوا، كما درج الحزبيين التقليديين أن يفعلوا.
حزب لا تعنيه معركة إسقاط الحصانات التي يتلطّى وراءها جميع رؤساء المجالس البلدية والمدراء العامين وكبار الفاسدين.
حزب لا تعنيه أبداً ملفات الفساد المكدّسة في جوارير القضاة.
حزب لا يعنيه كل ما أُهدر عبر المجالس والهيئات والصناديق.
حزب لا تعنيه مليارات السنيورة الإحدى عشر.
حزب لا تعنيه مافيات المقاولين والمتعهدين وسماسرتهم في كل مكان.
حزب لا يعنيه عشرين عام من الإيجارات الوهمية والمخصّصات الخيالية للجمعيات الوهمية.
حزب لا تعنيه الأملاك البحرية المحتلة.
حزب لا تعنيه قروض الإسكان المدعومة التي شفطت مخصصات قروض الإسكان من تحت غير المدعومين.
حزب لا تعنيه السرقات المنظمة في البلديات الكبيرة.
حزب لا يعنيه حوت الميدل إيست، من قريب أو بعيد.
حزب لا يعنيه معرفة الحقيقة او التفاصيل في أي ملف.
حزب لا تعنيه حقوق المرأة أو تطوير التعليم الرسمي أو الإستشفاء الحكومي أو الضمان أو ضمان الشيخوخة.
حزب لا يعنيه رفع السرية المصرفية أو السرية العقارية؛ أقلّه عن كل من يتعاطى الشأن العام.
حزب لا تعنيه مافيات الإحتكار على أنواعها وتنوّعها وتعدّد ألوانها.
حزب لا تعنيه فضائح وأد النفايات المتوارثة من جيل إلى آخر.
حزب لا يعنيه الإصلاح القضائي أو الإداري او الإنتخابي أو غيره.
حزب لا يعنيه التدقيق المالي الجنائي أو الضغط لإيجاد آلية لتحديد الأموال المنهوبة وآلية أخرى تسمح باستعادتها.
حزب لا تعنيه الآليات والقوانين السيئة المرئية الإجراء التي لا بد من تعديلها لتحقيق أي تغيير.
حزب يريد مياه ويشتم من يتأخر في تأمينها، لكنه غير معني بكيفية تأمين هذه المياه.
حزب يريد كهرباء ويشتم من يتأخر في تأمينها، لكنه غير معني بكيفية تأمين هذه الكهرباء.
حزب يريد فرص عمل ويشتم من يتأخر في تأمينها، لكنه غير معني بكيفية تأمين فرص العمل هذه.
حزب يريد كل شيء لكنه غير معني بكيفية تأمين أي شيء من هذه الأشياء الكثيرة.
حزب لا يعنيه ما فعلته أو لم تفعله القوات اللبنانية أو تيار المستقبل أو الكتائب أو أمل أو المردة أو غيرهم وغيرهم، إلاّ لضرورات تكتيكية لرفع العتب هنا وهناك، فما يعني الحزب الجديد هو واحد أوحد: ثنائي مار مخايل. فقد كان البلد، بحسب سمير جعجع، بألف خير وخير إلا أن عُقد هذا التفاهم فانقطعت المياه والكهرباء وتوقف فرز النفايات وابتدأ الدين والدين على الدين وابتدأ ظهور الفساد الإداري.
نحن أمام حزب جديد ينبثق من المجتمع المدني، ومن بعض الأحزاب وبعض الجمعيات. حزب ككلّ الأحزاب الأخرى؛ حزب مع قيادييه الواضحين والمعروفين في المناطق، وقيادييه المركزيين الواضحين والمعروفين أيضا. وكما لكل حزب إعلامييه وتلفزيونه ومكانسه وطناجره فإنّ لهذا الحزب أيضاً إعلامييه الواضحين والمعروفين ورموزه ونوابه ومشاريع النواب ومطابخه وشركاته وعلمه الأسود الحزين وبرنامجه المتمثل بـ الهيلا هيلا” وأناشيده المتمثلة بما يتيسر من شتائم وغيره وغيره. وإذا كان البعض يعيب عليه نفوذ بعض السفارات فيه، فإنّ هذا الأمر يبدو طبيعياً في بلد كبلدنا حيث لـ “غالبية” الأحزاب سفارات تدعمهم ومموّلين ومتموّلين. وكما هي علاقة الأحزاب الأخرى مع أسمائها كذلك علاقة الحزب الجديد مع اسمه: لا علاقة للحزب الاشتراكي بالاشتراكية، ولا علاقة لتيار المستقبل بالمستقبل، ولا علاقة لحزب التحرير بالتحرير، ولا علاقة لحزب الثورة بالثورة. الثورة مفهوم وسياق وأشخاص وشكل ومضمون مختلفين بالكامل، لكنّه الاسم الذي اختاره مؤسسو الحزب الجديد، وهم ما انفكوا يطلقون على تحرّكاتهم الحزبية هنا وهناك صفة التحركات الثورية، مع العلم أنّ كثيراً من المشاركين في هذه التحركات سيعيدون النظر بمشاركتهم حين يتيقنوا أنّهم جزء من مشروع حزبيّ سياسي وليس ثوار في ثورة.
الثورة فكرة جميلة ومطلوبة لكن ليست الثورة من أبصرت النور في 17 تشرين، إنّما حزب الثورة. حزب الثورة شيء والثورة شيء آخر. ابتكر الشباب طريقة خاصة ومميّزة في إرسال العلم والخبر إلى وزارة الداخلية، لكن العلم والخبر وصلا فعلاً، ويمكنهما التصرف على أساس نيلهما الموافقة الرسمية ونشره في الجريدة الرسمية. من الضروري أن ينتبهوا أن يكون عمر الحزب الجديد أطول من عمر كل ما ظهر من أحزاب جديدة في الأعوام القليلة الماضية، في بلد لم يكن يحتاج في هذا التوقيت سوى لحزب إضافي؛ أهلاً بحزب الثورة.
غسان سعود